وفي المدة التي أقامها رسول الله بدار أبي أيوب بني المسجد النبوي، وقد بنوه في المكان الذي بركت فيه الناقة، وكان في الأصل حائطا- بستانا- فتخرّب بعضه فبنيت فيه قبور، واتّخذ بعضه مربدا لتجفيف التمر، وكان لغلامين يتيمين بالمدينة، وهما سهل وسهيل ابنا عمرو، وكانا في حجر أسعد بن زرارة، فساومهما النبي فأبيا، وقالا بل نهبه لله ولرسوله؛ ولكن الرسول أبى إلا أن يكون بالثمن. وبهذا التصرف الحكيم ضرب النبي مثلا كريما في رعاية حقوق اليتامى، وقطع ما عسى أن تتقوّل به ألسنة السوء.
وقد ذكر موسى بن عقبة في تاريخه أن الرسول اشتراه بعشرة دنانير، وأن الصدّيق هو الذي دفعها، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطعت، وبالقبور فنبشت، وبالخرب فسويت.
وشرع المسلمون يبنون ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل معهم التراب واللبن وهم يقولون:
(١) الحمال بكسر الحاء: المحمول، أي هذا اللبن على ما ينال العامل في حمله من المشقة والاغبرار أبقى ذخرا، وأكثر ثوابا، وأشد طهرا من حمال خيبر وهي ما يحمل من التمر والزبيب ونحوهما في التجارة، وإنها لروحانية سامية لا تكون إلا من هذه النفوس الزكية.