للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمؤرخ (جيبون (Gibbon) (في تعليقه على حادثة حرق مكتبة الإسكندرية الشهيرة من قبل المتعصبين من النصارى يبدي هذه الملاحظة الهامة: «ولكن إذا صحّ أن ركام الجدل الاريوسي والقائل بطبيعة المسيح الواحدة قد أحرق فعلا في الحمامات العمومية، فإن في ميسور الفيلسوف أن يذهب إلى القول- في ابتسامة- بأن ذلك كان في مصلحة الجنس البشري.

وكانت الشرور التي سادت العالم المسيحي كالخمر، والميسر، والفسوق غالبة حتى في تلك الأيام، ويروي «١» دوزي (Dozy) عن الخليفة علي قوله في حق تغلب وهي قبيلة نصرانية: «إن كل ما اقتبسته عن تلك الكنيسة هو معاقرة الخمر» وبكلمة مختصرة فإن النصرانية وهي اخر ديانات العالم المنزلة- كانت في ذلك الحين في حكم المفقودة، كانت قد فقدت كل قدرتها الدافعة التي تمكنها من إحداث إصلاح أخلاقي، وإلى هذا فإن الدّرك الذي تردّى فيه المجتمع الإنساني كله في طول العالم وعرضه، ليقيم الدليل على صحة التوكيد القراني) «٢» .

[الأحوال الاجتماعية]

ولم تكن الأوضاع الاجتماعية بأحسن حالا من سابقتها، فهنالك كان أشراف وسوقة: أشراف يعتقدون أنهم من طينة أخرى غير طينة البشر، وسوقة يضن عليهم بأدنى حقوق الإنسان، وسادة وعبيد: سادة يتمتعون بكل خيرات هذه الأرض وطيباتها، وعبيد يعاملون معاملة الحيوان، وليس لهم من كدّهم وتعبهم إلا العرق والدماء، وما تجود به نفوس السادة عليهم من فتات الموائد.

وهنالك اعتزاز لا حدّ له بالأنساب والأحساب، والتفاخر بهما، وإضاعة الوقت في الاشتغال بذلك، حتى بلغ من العرب أنهم كانوا حين يفرغون من موسم الحج يعقدون الندوات لذكر الاباء والأحساب. وخلاصة القول أنه كانت هناك فوارق طبقية، وعصبيات جنسية، ونسبية، ولونية، ولغوية، وسواء في


(١) الصحيح أن يقول: ويذكر دوزي، أو وينقل؛ لأن الرواية تقتضي المعاصرة والمشافهة واللقاء.
(٢) حياة محمد ورسالته، ص ٢٠، ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>