للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النبي الزاهد]

حقيقة الزهد في الدنيا إنما هو في الترفع عن زخارفها، وعصمة النفس من التوسع فيها مع القدرة على ذلك، لا عن تعنت وتحريم لما أحل الله من الطيبات، ولكن عن تنزه أن يكون الإنسان عبد أهوائه وأسير شهواته وملذاته، وهذا هو زهد الأنبياء والمرسلين، والصدّيقين والصالحين. أما عدم التمتاع والتوسع فيها عن عجز وفاقة فلا يسمى زهدا.

وقد كان زهد رسول الله في الدنيا زهد القادر المستطيع، فقد أوتي مفاتيح خزائن الأرض، وأحلّت له الغنائم ولم تحل لأحد من الأنبياء قبله، وفتح عليه في حياته بلاد الحجاز واليمن، وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق، وجلب إليه من أخماسها وجزيتها وصدقاتها ما لا يحصى، وهاداه جماعة من الملوك، والأمراء، فما استأثر بشيء منه، ولا خرج عن طبيعته من التقشف والتقلّل في المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، إلى غير ذلك مما لا يعتبر التوسع فيه فضيلة.

روي عن عائشة: (أنه ربما يمر بهم الهلال والهلالان ولا يوقد لهم نار في بيت، وليس لهم طعام إلا الأسودان: الماء، والتمر) «١» . (وخرج من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير، وما أكل خبزا مرقّقا حتى مات) «٢» .


(١) رواه الشيخان.
(٢) رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>