للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وللغار مدخل يتسع للرجل البدين، ويقف فيه الرجل الفارع، ويتسع لبضعة رجال يصلون ويجلسون، وقد صعدت إليه وأنا في سن الشباب في أكثر من ساعة، وجلست فيه، وصليت ركعتين، فلله الحمد والمنة.

والغار في مكان يبعث على التأمل والتفكر، تنظر إلى منتهى الطرف فلا ترى إلا جبالا كأنها ساجدة متطامنة لعظمة الله، وإلا سماء صافية الأديم، وقد يرى من يكون فيه مكة إذا كان حاد البصر.

بعض ما أكرم الله به نبيه قبيل النبوة «١»

فمن ذلك ما ذكره ابن إسحاق في سيرته بسنده عن أهل العلم الثقات أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين أراده الله بكرامته، وابتدأه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت «٢» ، ويفضي إلى شعاب «٣» مكة، وبطون أوديتها، فلا يمر رسول الله بحجر، ولا شجر إلا قال: «السلام عليك يا رسول الله» «٤» فيلتفت الرسول حوله، وعن يمينه، وعن شماله، فلا يرى إلا الشجر والحجارة، فمكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذلك يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل- عليه السلام- بما جاءه من كرامة الله، ووحيه وهو بحراء في شهر رمضان. وفي صحيح مسلم: «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الان» «٥» .


(١) ذكر ابن الجوزي أن ذلك كان قبل النبوة بسنتين (شرح المواهب ج ١ ص ٢٠٤) .
(٢) تبعد عنه ويبعد عنها.
(٣) الشعاب: جمع: شعب، وهي الطرق بين الجبال.
(٤) وذلك بأن يخلق الله فيها الكلام من غير حياة، ولا علم؛ أو بأن يخلق الله فيها الحياة والتمييز فتنطق وتتكلم: رأيان للعلماء، ولعل الأول هو الأولى.
(٥) صحيح مسلم بشرح النووي ج ١٥ ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>