روى ابن إسحاق في سيرته عن الزهري قال: حدّثت: أن أبا جهل، وأبا سفيان، والأخنس بن شريق، خرجوا ليلة ليسمعوا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل منهم مجلسا، فيستمع منه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا أصبحوا وطلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو راكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئا ثم انصرفوا.
حتى إذا كان الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا!!
حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقالوا: لا نبرح حتى نتعاهد ألانعود، فتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا!!
فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال:
يا أبا ثعلبة، والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها، ولا ما يراد بها، فقال الأخنس: أنا والذي حلفت به كذلك!! ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال:
يا أبا الحكم، فما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الرّكب وكنّا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ فو الله لا نؤمن به أبدا، ولا نصدقه!!
وهذا يدل على استلذاذ العرب للاستماع للقران استجابة لفطرتهم العربية، وعلى ما كان للعصبية الجاهلية من أثر في عدم الإيمان بالنبي صلّى الله عليه وسلّم.