وكانت تقوم بين القبائل الحروب لأتفه الأسباب، من أجل ناقة، أو سباق فرس، أو نحو ذلك، وذلك كحرب البسوس التي قامت بين بكر، وتغلب أربعين عاما من أجل ناقة حتى أكلت الكثير من أبطالهم ورؤسائهم، وكان من ضحاياها كليب بن ربيعة. وكحرب داحس والغبراء، التي قامت ودامت طويلا بسبب سباق فرسين.
وكان يغلب على بعض قبائل البدو السطو والإغارة قصد نهب الأموال، وسبي الأحرار وبيعهم، كزيد بن حارثة فقد كان عربيا حرا، وكسلمان الفارسي فقد كان فارسيا حرا، وقد قضى الإسلام على ذلك حتى كانت تسير المرأة فضلا عن الرجل- من صنعاء إلى حضرموت، لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها.
٧- العلم والقراءة والكتابة
وقد كان العرب أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، وهذه هي الصفة التي كانت غالبة عليها، ولم يكونوا أهل كتاب وعلم كاليهود والنصارى، بل كان يغلب عليهم الجهل والأمية، والتقليد، والجمود على القديم وإن كان باطلا، وكان فيهم قليل ممن يكتب ويقرأ، ولكنهم مع أميتهم وعدم اتساع معارفهم- كانوا يشتهرون بالذكاء، والفطنة، والألمعية، ولطف المشاعر، وإرهاف الحس، وحسن الاستعداد، والتهيؤ لقبول العلم والمعرفة، والتوجيه الرشيد، ولذلك لما جاء الإسلام صاروا علماء، حكماء، فقهاء، وزالت عنهم الأمية، وصار العلم والمعرفة من أخص خصائصهم.
وكان فيهم من يعلم علم النجوم ومساراتها، والاهتداء بها، ومعرفة بالأنواء، وسقوط الأمطار، وتحسس مخابىء الماء تحت أطباق الأرض، كما مهروا في علم قص الأثر، وهو القيافة، وكان فيهم أطباء كالحارث بن كلدة، وكان طبهم مبنيا على التجارب التي اكتسبوها من الحياة والبيئة.