للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم» . وفي هذا نزل قول الله تعالى:

وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «١» .

[الرسول يحمس أصحابه]

وصار النبي يحمس المسلمين، وينفخ فيهم من روحه وقوة إيمانه، ويحثهم على الصبر والثبات في هذه المواطن، وابتدع طريقة تثير الحمية، وتدعو إلى الاستبسال في القتال، فقد أخذ بسيف في يده وقال: «من يأخذ هذا السيف بحقه» ؟ فأحجم القوم، ثم كرر الكلمة فقام رجال فأمسكه عنهم، فقام إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فقال: وما حقه يا رسول الله؟ قال: «أن تضرب به العدو حتى ينحني» ، قال: أنا اخذه بحقه، فأعطاه إياه، وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب، وكانت له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم أنه سيقاتل، فأخرج عصابته تلك فاعتصب بها، ثم جعل يتبختر بين الصفّين فقال رسول الله: «إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن» .

[جيش قريش]

وعبّأت قريش جيشها وتصافّوا، وكان معهم مائتا فرس قد جنّبوها، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد، وعلى ميسرتها عكرمة بن أبي جهل، وعلى المشاة صفوان بن أمية، وكان حامل لوائهم طلحة بن عثمان من بني عبد الدار، وقال أبو سفيان لأصحاب اللواء يحمّسهم ويستثير حميتهم: (يا بني عبد الدار، قد وليتم لواءنا يوم بدر فأصابنا ما قد رأيتم، وإنّما يؤتى الناس من قبل راياتهم إذا زالت زالوا، فإما أن تكفونا وإما أن تخلّوا بيننا وبينه فنكفيكموه) ، فهمّوا به وتواعدوه، وقالوا: نحن نسلم إليك لواءنا؟! غدا إذا التقينا ترى كيف نصنع؟ وهذا ما أراد أبو سفيان.

وقامت هند امرأة أبي سفيان في نساء من قريش وهن يتجوّلن بين الصفوف، ويضربن بالدفوف، ويحرّضن على القتال ويقلن:

ويها بني عبد الدار ... ويها حماة الأدبار

ضربا بكل بتّار»


(١) الاية ١٢١ من سورة ال عمران.
(٢) ويها: كلمة تحريض وحث على القتال. حماة الأدبار: الذين يحمون أعقاب الناس. البتّار: السيف القاطع.

<<  <  ج: ص:  >  >>