للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل بل عاش إلى سنة أربع وخمسين فاستشهد بأرض الروم في خلافة معاوية «١» .

[وقفات عند قصة الإفك]

وما كان لنا أن نمر بهذا الحادث دون أن نقف وقفات، نستخلص منها عبرا وعظات، وأخلاقا ساميات، منها:

١- صيانة الله سبحانه أنبياءه أن تقع من زوجاتهم خيانة زوجية، وذلك لأن زنا الزوجة مما يمتد أثره السيّىء إلى الزوج، فصان الله زوجاتهم عن ذلك حتى لا يكون منفرا منهم، ومعوّقا عن الاهتداء بهم، أما الكفر فيجوز عليهن، وذلك كامرأتي نوح ولوط عليهما السلام، لأن الكفر لا تتعدى معرّته إلى الزوج، وأما ما ذكره الله عنهما في قوله:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً «٢» .

فقد أجمع المفسرون سلفا وخلفا على أنه ليس المراد الزنا وإنما الخيانة في الدين، روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (ما زنت امرأة نبي قط، وإنما كانت خيانتهما أنهما كانتا على غير دينهما، فكانت امرأة نوح تخبر أنه مجنون، وإذا ما امن به أحد أخبرت به قومه الكافرين، وكانت امرأة لوط تدل قومه على أضيافه إذا نزل به ضيف) .

٢- إن في هذه القصة عزاء وسلوى للعفيفات اللاتي يرمين زورا وكذبا بالفاحشة، فهذه الصدّيقة بنت الصدّيق، وزوج الرسول، والمبرأة من فوق سبع سماوات قد رميت بما هي براء منه، من المنافقين ومن شايعهم من ضعفاء الإيمان، ومن قبل رمى اليهود صدّيقة بني إسرائيل السيدة مريم البتول بالزنا،


(١) فتح الباري، ج ٨ ص ٣٧١.
(٢) سورة التحريم: الاية ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>