كان كعب ممن أهدر النبي دماءهم لكثرة هجائه لرسول الله والمسلمين، فلما اب النبي إلى المدينة بعد غزوة الطائف كتب بجير بن زهير إلى أخيه كعب أن رسول الله لا يقتل من جاء تائبا مؤمنا، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل.
وبعد مطارحة شعرية بينهما خرج كعب قاصدا المدينة، فنزل على رجل كان بينه وبينه معرفة من جهينة، فغدا به إلى رسول الله في صلاة الصبح، فلما فرغ من صلاته قال له صاحبه: هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه، فقام كعب إلى رسول الله فجلس إليه، ووضع يده في يده- وكان رسول الله لا يعرفه- فقال: يا رسول الله إنّ كعب بن زهير قد جاء يستأمن منك تائبا مسلما، فهل أنت قابل منه إن جئتك به؟ قال:«نعم» ، فقال: إذا أنا يا رسول الله كعب، فوثب إليه رجل من الأنصار مستأذنا رسول الله أن يضرب عنقه، فقال له:«دعه عنك فإنه جاء تائبا مسلما» ، فمن ثمّ وجد على الأنصار في نفسه، ولم يذكرهم بشيء في قصيدته. بل يقال: إنه عرض بهم في بعض شعره.
ثم أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيدته المشهورة الطويلة ومطلعها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ... متيّم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغنّ قرير العين مكحول
ومنها:
إنّ الرسول لنور يستضاء به ... مهند من سيوف الله مسلول