للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في موطن من المواطن لأمثلنّ بثلاثين رجلا منهم مكانك» . وقال المسلمون لما رأوا المثلة في قتلاهم، وحزن النبي البالغ على عمه حمزة: لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلنّ بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب.

[أمر الله بالعدل في القصاص]

ولم يلبث الوحي أن نزل بالأمر بمراعاة العدل في القصاص، ومحببا في الصبر والعفو، فقال عز شأنه:

وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ «١» .

فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصبر وكفّر عن يمينه، ونهى عن المثلة. روى ابن إسحاق بسنده عن سمرة بن جندب قال: «ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام قط ففارقه، حتى يأمرنا بالصدقة وينهانا عن المثلة» .

ولا يشكلن عليك كون هذه الايات من سورة النحل وهي مكية، لأن بعض العلماء قال: إنها مكية إلا هذه الايات من خواتم السورة فإنها مدنية. نعم ذهب كثير من العلماء إلى أنها كلها مكية وعلى هذا فتكون هذه الايات مما تكرر نزولها على حسب المناسبات والدواعي، تذكيرا بما فيها من هذا الأدب الإسلامي العالي، وهو رعاية العدل عند النصر والظفر، وعدم الاستجابة لهوى النفس، أو الإسراف في الانتقام والتشفّي، وهو أدب إسلامي لم تصل إليه المدنيّة في القرن العشرين «٢» .


(١) سورة النحل: الايات ١٢٦- ١٢٨.
(٢) المدخل لدراسة القران الكريم للمؤلف، ص ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>