للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العتاب في الفداء]

وقد عاتب الله سبحانه النبي والمسلمين على اختيارهم الفداء على القتل الذي أشار به الفاروق رضي الله عنه، وأنزل في ذلك قوله سبحانه:

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ «١» .

ولما نزلت الايتان جاء عمر من الغد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان، فقال: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما!! فقال رسول الله: «للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، وقد عرض علي عذابكم أدنى من هذه الشجرة» ، لشجرة قريبة منه، وأخبره بما نزل من الايات، وهذا يدل على أن جمهرة الصحابة كانوا على رأي أخذ الفداء.

ولما نزلت الايتان كفّ الصحابة أنفسهم عن الانتفاع بما أخذوا من الفداء، وأسفوا لهذا العتاب، فأنزل الله سبحانه: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً، وَاتَّقُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.


(١) سورة الأنفال: الايتان ٦٧، ٦٨. تفسير الايتين: أسرى: جمع أسير، الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار منه، والمراد المبالغة في تقتيل الكفار. عرض الدنيا: الفداء. لولا كتاب من الله سبق: يعني لولا ما قدّره الله في الأزل وجرى به تقديره الحكيم من أنه لا يؤاخذ من اجتهد وبذل الوسع، وإن لم يصادف الصواب، وقيل: من أنه لا يؤاخذ أهل بدر بما صنعوا، وقيل: من أنه لا يعذب قوما حتى يبين لهم الحلال من الحرام، وما ينبغي مما لا ينبغي، يعني لولا هذا لنالكم عذاب شديد بسبب إيثاركم عرض الدنيا على ثواب الاخرة، وهذا درس تربوي عظيم، وبهذا الدرس وغيره أنشأ الله خير جيل عرفته الدنيا قديما وحديثا، وهم الصحابة الكرام، والاية الثانية بمثابة الترضية والإعذار لهم بعد العتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>