للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا رسول الله مرني بما شئت فقال: «قف مكانك، ولا تترك أحدا يلحق بنا، وأخف عنا» .

وهكذا كان في أول النهار جاهدا «١» على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكان في اخر النهار مسلحة له «٢» قال سراقة: فسألته أن يكتب لي كتاب أمن، فأمر عامر بن فهيرة فكتب في رقعة من أدم «٣» ثم ألقاه إلي، فأخذته ووضعته في كنانتي ثم رجعت «٤» .

[ستلبس سواري كسرى]

ولم يقف الأمر في قصة سراقة عند هذه المعجزة الظاهرة البيّنة الدالة على حماية الله لنبيه وحفظه له، بل تعدّاه إلى نبوءة أخرى ما كان يجول مصداقها بخلد إنسان قط إلا أن يكون نبيا يوحى إليه من ربه، ذلك أنه لما همّ سراقة بالرجوع التفت إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وقال: «كأني بك يا سراقة تلبس سواري كسرى» فقال سراقة متعجبا: كسرى بن هرمز!! قال: «نعم» .

فرجع سراقة وهو في حيرة من أمر هذه النبوءة، وتواردت على نفسه شتى الهواجس والخواطر والخلجات النفسية: محمد بن عبد الله الذي خرج مستخفيا مطاردا من قومه يخشى الطلب، ويخاف الرصد، ولا يكاد يأمن على نفسه من غوائل المشركين- يعدني سواري كسرى إنه للأمر العجب!!

[وفاء سراقة بما وعد]

وقد وفى سراقة بما وعد، فجعل لا يلقى أحدا من الطلب إلا رده قائلا:

كفيتم هذا الوجه، فلما اطمأنّ إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وصل إلى المدينة جعل سراقة يقصّ ما كان من قصته وقصة فرسه، واشتهر هذا عنه، وتناقلته الألسنة حتى امتلأت به نوادي مكة، فخاف رؤساء قريش أن يكون ذلك سببا لإسلام بعض أهل مكة، وكان سراقة أمير بني مدلج، ورئيسهم فكتب أبو جهل إليهم:


(١) يريد النيل من رسول الله جهده.
(٢) مانعا له، وحارسا له بسلاحه.
(٣) أدم: جلد.
(٤) صحيح البخاري، باب هجرة النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إلى المدينة، السيرة ج ١ ص ٤٨٩

<<  <  ج: ص:  >  >>