ولما استقر المسلمون بالمدينة ألهم الله سبحانه نبيه محمدا بعمل يعتبر غاية في حسن السياسة وأصالة الرأي وبعد النظر، فقد عقد بين المهاجرين والأنصار أخوّة بها يتعاونون ويترافقون، ويتناصرون ويتوارثون. وقد اختلف العلماء في وقت هذه المؤاخاة، فقيل بعد الهجرة بخمسة أشهر، وقيل بتسعة أشهر، وقيل وهو يا بني المسجد، وقيل قبل بنائه، والذي نرجحه أن ذلك كان بعد الهجرة بقليل، فإن الحال كانت تدعو إلى الإسراع بهذا الإخاء جمعا للشمل، وتوثيقا للعرى، وقطعا لدسائس الأعداء ولا سيما اليهود.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب أخوين، وأبو بكر وخارجة بن زيد أخوين، وعمر وعتبان بن مالك أخوين، وحمزة وزيد بن حارثة أخوين، وحاطب بن أبي بلتعة وعويم بن ساعدة أخوين، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع أخوين، وابن مسعود ومعاذ بن جبل أخوين، ومصعب بن عمير وأبو أيوب الأنصاري أخوين، وأبو حذيفة بن عتبة وعبّاد بن بشر أخوين، وبلال وأبو رويحة «١» أخوين، وأبو عبيدة بن الجراح وأبو طلحة الأنصاري أخوين، والزبير بن العوام وسلمة بن سلامة بن وقش أخوين، وطلحة بن
(١) اسمه عبد الله بن عبد الرحمن، روي أنه لما دوّن عمر الدواوين بالشام، وكان بلال قد خرج إلى الشام، فأقام بها مجاهدا، فقال عمر لبلال: إلى من تجعل ديوانك يا بلال؟ قال: مع أبي رويحة لا أفارقه أبدا، للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدها بينه وبيني، فضم إليه.