وهكذا تحزبت الأحزاب حتى صاروا عشرة الاف قائدهم العام أبو سفيان بن حرب، وساروا قاصدين المدينة.
وكانت الخندق في شوال سنة خمس عند جمهور العلماء من أهل المغازي وغيرهم، وهو الصحيح «١» .
[استشارة الرسول أصحابه]
واتصل نبأ هذا الجمع الحاشد بالرسول، فاستشار أصحابه، أيقيمون في المدينة أم يخرجون للقاء العدو؟ ولما كان عدد المهاجمين عظيما لا قبل للمسلمين على الوقوف أمامهم في سهل منبسط كسهل بدر دون أن تكون العاقبة عليهم، قرّ رأي المسلمين على أن يتحصنوا بالمدينة، ولكن أيجدي التحصن أمام هذا الجيش الكبير؟ وهنالك تقدم سيدنا سلمان الفارسي إلى رسول الله يعرض عليه أن يحفر المسلمون خندقا في الجهة الشمالية، وهي عورة المدينة لا يستطيع المهاجمون نفاذا إلى المدينة إلا منها، إذ إن بقية مداخل المدينة ضيقة المسالك مشتبكة البيوت والنخيل، لا يفكر العدو في النفاذ منها، لما يخشى أن يصيبه من أسطح المنازل ونحوها، ثم هي لا تتسع إلا لعدد من المهاجمين، مما يسهل على المسلمين تصيدهم وإبادتهم، فاستحسن الرسول الفكرة، ودعا له بخير.
[حفر الخندق]
وشرع المسلمون في حفر الخندق في جو بارد، ورسول الله معهم يحفر ويحمل التراب بنفسه، وقد جعل لكل عشرة منهم أربعين ذراعا، واحتق المهاجرون والأنصار في سلمان كل يريد أن يكون من قبيله، فحسم الرسول الأمر بقوله:«سلمان منا أهل البيت» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما بهم من النصب والتعب نشّطهم بمثل قوله:
اللهمّ إن العيش عيش الاخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة
(١) البداية والنهاية، وفتح الباري، ج ٧ ص ٣٦٤ و ٣٧٥.