للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يردّ عليهم شيئا، ومكث ساعة ثم خرج والصحابة ما بين قائل برأي أبي بكر، وقائل برأي عمر، وقائل برأي ابن رواحة، فقال: «إنّ الله ليليّن قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

وكمثل عيسى قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً وكمثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ، وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ أنتم اليوم عالة «١» ، فلا يفلتنّ أحد إلا بفداء أو ضربة عنق» .

فقال عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فإني قد سمعته يذكر الإسلام، فسكت النبي، قال عبد الله: فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليّ حجارة من السماء من ذلك اليوم، حتى قال النبي: «إلا سهيل بن بيضاء» فسرّي عنه، وهكذا رجّح النبي صلى الله عليه وسلم رأي الصدّيق لما جبل عليه قلبه من الرأفة والرحمة، ولما فيه من التخلّق بصفة من صفات الرب جل وعلا، حيث قال:

«سبقت رحمتي غضبي» .

[وصول النذير بالهزيمة إلى قريش]

على حين كان المسلمون فرحين بنصر الله وما أفاء الله عليهم من الغنائم، كان الحيسمان بن عبد الله الخزاعي يحثّ الطريق إلى مكة، حتى كان أول من دخلها، وأخبر أهلها بالهزيمة، وقتل الكثيرين من صناديدهم وأشرافهم وأسر الكثيرين منهم، وقد تشكّكوا أول الأمر، ثم لم يلبثوا أن استيقظوا لما توالت عليهم النذر، فكأنما نزلت عليهم صاعقة من السماء.

وكان أشدهم غيظا وكمدا أبو لهب بن عبد المطلب، ولم يمكث إلا بضع


(١) عالة: فقراء في حاجة إلى المال.

<<  <  ج: ص:  >  >>