للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد بقيت الكلمة التي قالها أبو حذيفة شبحا مخيفا يتراءى له أمام عينيه، يقلق عليه راحته النفسية وطمأنينته القلبية كلما ذكرها، حتى لقد كان يرى أن لا مكفّر لها إلا الشهادة في سبيل الله، فكان يقول: ما أنا بامن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفا إلا أن تكفرها عني الشهادة. وقد قتل يوم اليمامة شهيدا فرضي الله عنه وأرضاه.

[مثل عليا للإيمان]

من المثل العليا الإيمانية الرائعة في غزوة بدر ما حدث من بعض المسلمين، فقد التقى المسلم الصادق أبو عبيدة بالأب المشرك عبد الله بن الجراح، وقد كان الأب يتصدّى لابنه يريد قتله، وابنه يحيد عنه رعاية لحق الأبوة، ولكن الأب ما زال يتصدّى للابن يريد قتله، فلم يكن بدّ لأبي عبيدة من قتله. وفيها دعا الصديق أبو بكر ابنه عبد الرحمن إلى المبارزة وقال: دعني يا رسول الله أكن في الرعلة «١» الأولى، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «متّعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة السمع والبصر» . وفيها قتل الفاروق عمر بن الخطاب خاله العاص بن هشام بن المغيرة، وقتل حمزة وعلي أبناء عمومتهم من قريش «٢» ، وقتل مصعب بن عمير أخاه عبيد بن عمير «٣» .

وهكذا ضرب المسلمون في بدر مثلا عليا لصدق الإيمان، وأنهم اثروا رضاء الله ورسوله على حب الوالد والولد والأهل والعشيرة، فلا تعجب إذا كان الله سبحانه أشاد بهذه المواقف الصادقة وأمثالها في قوله سبحانه:

لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ


(١) في القاموس: والرعلة- بفتح الراء-: القطعة من الخيل كالرعيل أو مقدمتها أي في مقدمة المجاهدين والمستشاهدين.
(٢) تفسير الألوسي ج ٢٨ ص ٣٧.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ٣٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>