للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيجيبون قائلين:

نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا

وهكذا تجاوبت المشاعر بالإيمان، والعزائم بالكفاح والجلاد.

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن البراء بن عازب قال: لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته يحمل من تراب الخندق حتى وارى عنه التراب جلدة بطنه وكان كثير الشّعر، فسمعته يرتجز بكلمات عبد الله بن رواحة وهو ينقل التراب يقول:

اللهمّ لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا

فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا

ثم يمد صوته باخرها، يعني بقول: أبينا. أبينا «١» .

ولا تسل عما كانت تصنعه هذه الكلمات المؤمنة العذاب في نفوسهم من مضاعفة الجهد، والاستهانة بالنصب والتعب، وبهذا العمل الدائب أتموا حفر الخندق في ستة أيام، وقد استعانوا بالأحجار الصلبة فاتخذوا منها متاريس يتحصنون بها.

[تخاذل المنافقين]

على حين كان المؤمنون المخلصون يجدّون في حفر الخندق كان المنافقون يتخاذلون، ويتسلّلون إلى أهليهم دون إذن الرسول. أما المؤمنون فقد كان الواحد منهم إذا عرضت له الحاجة الملحة استأذن الرسول، فإذا قضى حاجته


(١) في مدّ الصوت بهذا المقطع من البيت ما فيه من التطابق بين اللفظ والمعنى واللحن المعبر، فهو إباء أبيّ، متصل ممدود، لا يعرف الضعف والاستخذاء، ولا الاستكانة والاستسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>