راكبا، فالتف حوله جماعة من الأوس قائلين له: أحسن في مواليك، ألا ترى ما فعل ابن أبي في مواليه؟ فقال لهم: لقد ان لسعد ألاتأخذه في الله لومة لائم ثم قال: فإني أحكم فيهم أن تقتلوا الرجال، وتسبوا النساء والذرية، فقال له رسول الله:«لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله «١» من فوق سبع سماوات» . فنفّذ فيهم الحكم، فإذا كما قيل ثلاثمائة، وقيل أربعمائة، وقيل أكثر من ذلك.
وقتل معهم حيي بن أخطب وهو السبب فيما نزل بهم من قتل وبلاء، فقد كان دخل معهم حصنهم بعد انصراف قريش وغطفان، وعاد سعد إلى الخيمة بالمسجد، فلم يلبث- وقد أقر الله عينه- أن انفجر جرحه فمات شهيدا رضي الله عنه وأرضاه.
وبالقضاء على بني قريظة تخلّص المسلمون بالمدينة من اخر شوكة في ظهورهم، وأصبحت المدينة كلها- ما عدا المنافقين- على قلب رجل واحد، وموئل الإسلام، وحصنه الحصين.
[دم بني قريظة في عنق حيي]
وفي الحق أن دم بني قريظة معلق في عنق حيي بن أخطب النضري، وإن كان قتل معهم، فهو الذي حمل قريظة على نقض العهد وجسّم العداوة بين اليهود والمسلمين، حتى اعتقدوا أن اليهود لا تطيب نفوسهم إلا باستئصال النبي وأصحابه، وهو الذي دخل معهم حصنهم وأغراهم بعدم التسليم والاستمرار في المقاتلة، ولو أنهم استسلموا من أول الأمر لما أهدرت دماؤهم، ولقبل النبي
(١) وهو ما قضى به كتابهم المقدس «العهد القديم» في حق العدو المهزوم ففي سفر التثنية الإصحاح ١٣، فقرة ١٣، ١٤: «وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء، والأطفال، والبهائم، وكل ما في المدينة، كل غنيمتها لنفسك. وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك» وهكذا يتبين لنا أن ما قضى به سيدنا سعد لم يخرج عما حكمت به التوراة وأيضا فهم ليسوا أعداء مهزومين فحسب بل هم خائنون غادرون غير وافين بالعهد.