وأما رحمته وشفقته على جميع الخلق فحدّث عنها ولا حرج، وبحسبه شرفا أن الله وصفه باسمين من أسمائه فقال: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، وقد اذاه قومه وعشيرته أشد الإيذاء، فوضعوا الشوك في طريقه، والقذر على بابه، وحاولوا خنقه وقتله، ووطئوا رأسه وهو يصلي، ووضعوا سلا الجزور على ظهره، ومع ذلك كان يقول:«اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون» .
ولما ذهب إلى ثقيف داعيا إلى الإسلام، فأبوا وأغروا به الصبيان والسفهاء حتى أدموا عقبه، أرصد الله له في الطريق وهو راجع ملكا من ملائكته، وعرض عليه أن يهلكهم، فأبى وقال:«بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا»«١» ، وفي رواية: فقال له جبريل: «صدق من سمّاك الرؤوف الرحيم» .
ومن المثل الرائعة في هذا ما رواه البزار بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه في شيء- قال عكرمة أراه قال في دم يعني دية- فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ثم قال:«أحسنت إليك؟» قال الأعرابي: لا، ولا أجملت!! فغضب بعض المسلمين، وهمّوا أن يقوموا إليه، فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن كفّوا، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت، وزاده شيئا، وقال:«أأحسنت إليك؟» فقال الأعرابي: