للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا!! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك قلت ما قلت وفي نفسي أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب ما في صدورهم عليك» قال: نعم، فلما كان الغد أو العشية جاء، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الأعرابي قال ما قال، فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك» قال: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا!! فقال صلى الله عليه وسلم:

«إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل له ناقة شردت عليه، فاتّبعها الناس، فلم يزيدوها إلا نفورا، فناداهم صاحبها: خلّوا بيني وبين ناقتي، فإني أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه إليها وأخذ لها من قمام الأرض ودعاها، حتى جاءت واستناخت، وشدّ عليها رحلها، واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال، فقتلتموه دخل النار «١» » وسند القصة وإن كان فيه راو ضعيف إلا أنه يؤخذ به في باب الفضائل.

وفي الحق أن هذا الحديث فيه نور من نور النبوة، وروعة في التمثيل لا يقدر عليها، ولن يكون مصدرها إلا النبي صلوات الله وسلامه عليه، ومع كون المثل ليس بالأمر الغريب عن البيئة العربية، إلا أن النبي الفصيح البليغ ألبسه ثوبا قشيبا حتى بدا غاية في الروعة وغاية في التأثير، هذا إلى ما بين الممثّل به، والممثّل له من التطابق البديع، والتوافق العجيب!!.

ومن رحمته بأمته تخفيفه وتسهيله عليهم وكراهته المواظبة على بعض السنن كالتراويح مخافة أن تفرض عليهم، وكراهته كثرة سؤالهم حتى لا يكون سببا في تحريم ما سكت الله عنه رحمة بهم، وقد شملت رحمته المؤمن والكافر، والصديق والعدو، والإنسان والحيوان والطير، ولما قالوا له: إنّ لنا في البهائم لأجرا؟ قال:

«في كل كبد رطبة أجر» ونهى، بل (لعن من اتخذ الحيوان غرضا) «٢» ، وكان من رحمته أنه يميل الإناء للهرة لتشرب منه، ومرض ديك له فقام على تمريضه،


(١) الشفاء، ج ١ ص ٩٦، تفسير ابن كثير والبغوي ج ٤ ص ٢٧٦ ط المنار.
(٢) رواهما الشيخان.

<<  <  ج: ص:  >  >>