على قومه فلم يلبث أن قتله الخزرج، وقد كان رجال من قومه يقولون: إنا لنراه قتل وهو مسلم، وكان قتل قبل يوم بعاث.
[إسلام إياس بن معاذ]
لما قدم أبو الحيسر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج، سمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم فجلس إليهم، فقال:«هل لكم في خير مما جئتم له» ؟
قالوا: وما ذاك؟ قال:«أنا رسول الله إلى العباد أدعوهم إلى أن يعبدوا الله، ولا يشركوا به شيئا، وأنزل عليّ الكتاب» ، ثم ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القران، فقال إياس بن معاذ- وكان غلاما حدثا-: هذا والله خير مما جئتم له، فأخذ أبو الحيسر كفا من تراب، وضرب به وجهه، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس.
وقام رسول الله عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك، وقد روى من حضره من قومه أنه ما زال يهلّل الله ويكبره، ويحمده ويسبحه حتى مات، فما كانوا يشكّون أنه مات مسلما، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما سمع.
يوم بعاث «١»
وهو يوم كانت فيه موقعة عظيمة بين الأوس والخزرج، وقتل فيه خلق كثير من أشرافهم وكبرائهم، ولم يبق فيه من شيوخهم إلا القليل، وقد كان الغلب فيه للأوس على الخزرج.
وقد شاء الله سبحانه أن تكون هذه الوقعة العظيمة قبيل مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة لتتهيّأ النفوس لقبول الإسلام والإيمان بالنبي، وليظهر فضل الإسلام
(١) بعاث على وزن غراب وهو بالعين المهملة: موضع بقرب المدينة، وصحفه بعضهم فجعله بالغين المعجمة.