للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأنا أصلها، فقبل منها، ثم قالت للجارية: ما حملك على هذا؟ قالت:

الشيطان، فقالت لها: اذهبي فأنت حرة. وكانت وفاتها في رمضان سنة خمسين في زمن معاوية، وقيل سنة اثنتين وخمسين رضي الله عنها وأرضاها «١» .

[حكمة زواجه بها]

ومما ذكرنا يتبين لنا أن النبي لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباعا للغريزة الجنسية كما يزعم الأفاكون، وإنما أراد إعزازها وتكريمها وصيانتها من أن تفترش لرجل لا يعرف لها شرفها ونسبها في قومها، هذا إلى ما فيه من العزاء لها فقد قتل أبوها من قبل وزوجها وكثير من قومها، ولم يكن هناك أجمل مما صنعه الرسول معها، كما أن فيه رباط المصاهرة بين النبي واليهود عسى أن يكون هذا ما يخفف من عدائهم للإسلام، والانضواء تحت لوائه، والحد من مكرهم وسعيهم بالفساد، وقد ضرب النبي بزواجه بها بعد أن أعتقها في باب التسامح والعفو المثل الأعلى فطالما نال النبي والمسلمين من قومها الشر الكثير، ولا سيما أبوها الذي جمع الجموع في الأحزاب وكان دائم التأليب على النبي، وكان للنبي أن يدعها مملوكة له يستحقها بملك اليمين، أو يتركها سبية عند رجل ربما لا يعرف لها قدرها، ولكنه النبي الإنسان الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وأوفى في مكارم الأخلاق على الغاية.

[حراسة أبي أيوب للنبي]

ولما أعرس الرسول بصفية في قبة له، بات السيد الجليل أبو أيوب الأنصاري يحرس رسول الله ويطيف بالقبة من بعد، فلما أصبح الصباح ورأى النبي مكانه قال: «مالك يا أبا أيوب» ؟ قال: يا رسول الله خفت عليك من هذه المرأة، وقد قتل أبوها وزوجها وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فسرّ الرسول بعمله الذي ينبىء عن غاية الحب والإيمان وقال: «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحرسني» .


(١) البداية والنهاية، ج ٤ ص ١٩٦؛ الإصابة والاستيعاب، ج ٤ ص ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>