للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مال يريد أن يعرّس بها فأبت عليه، فوجد في نفسه، فلما كان بالصهباء نزل بها هناك فمشطتها أم سليم، وعطرتها، وزفتها إلى النبي وبنى بها، فسألها:

«ما حملك على الامتناع من النزول أولا» ؟ فقالت خشيت عليك من قرب اليهود، فعظمت في نفسه، ومكث رسول الله بالصهباء ثلاثة أيام، وأولم عليها ودعا المسلمين، وما كان فيها من لحم وإنما التمر والأقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطّأ لها خلفه ومدّ عليها الحجاب، فأيقنوا أنها إحدى أمهات المؤمنين.

وقد بلغ من إكرام النبي لها أنه كان يجلس عند بعيره فيضع ركبته لتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب، وقد بلغ من أدبها أنها كانت تأبى أن تضع رجلها على ركبته، فكانت تضع ركبتها على ركبته وتركب.

ولما كانت ليست بعربية ولا قرشية كان بعض نساء النبي يدللن عليها ويحاولن النيل منها، ولكن العادل المنصف، وناصر الضعفاء كان ينتصر لها، وينافح عنها، ويلقنها كيف ترد عليهن، فقد بلغ النبيّ أن عائشة وحفصة نالتا منها، فقال لها: «ألا قلت: وكيف تكونان خيرا مني وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى» رواه الترمذي، بل بلغ من انتصار النبي لها أن هجر زينب بنت جحش مدة لنيلها منها، ووصفها لها باليهودية «١» .

فلا عجب أن كانت تحب رسول الله حبا جما، وشديدة الوفاء والإخلاص له، ففي مرض موته اجتمع نساؤه حوله، فقالت صفية: يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي، فغمزن ببصرهن، فقال: «مضمضن» فقلن: من أي شيء؟

فقال: «من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة» .

وقد روت عن النبي الأحاديث، وروي عنها، وكانت صفية عاقلة حليمة صادقة، يروى أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن صفية تحب السبت، وتصل اليهود، فبعث إليها فسألها عن ذلك، فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة، وأما اليهود فإن لي فيهم رحما،


(١) رواه ابن سعد.

<<  <  ج: ص:  >  >>