قد جاؤوا تائبين، وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم، فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول مال يفيء الله به علينا فليفعل» ، ثم قال:«ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم» ، فقال المهاجرون: وما كان لنا فهو لرسول الله، وقال الأنصار مثل ذلك، وتمنّع أناس منهم الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، والعباس بن مرداس، وما زال بهم رسول الله حتى أرضاهم.
وبذلك ردّت إلى هوازن نساؤها وذراريها بفضل النبي وبره ورحمته، وحسن كياسته وسياسته، فهو صلى الله عليه وسلم يعلم أن العربي يضحّي بكل مال، ولا يضحّي بامرأته، وذريته، ويموت راضيا في سبيل صيانة عرضه.
وأكمل رسول الله بره وصلته، فسأل وفد هوازن عن رئيسهم مالك بن عوف، فقالوا هو بالطائف مع ثقيف فقال:«أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت إليه أهله وماله، وأعطيته مائة من الإبل» ، فلما بلغ ذلك مالكا انسل من ثقيف خفية، وركب فرسه حتى أتى رسول الله بالجعرانة، أو بمكة، فأسلم فردّ عليه رسول الله أهله وماله وأعطاه المائة، مما جعل لسانه ينطلق بمدح النبي، واستعمله النبي على من أسلم من قومه، وقد أسرت هذه المعاملة الكريمة مالكا، فكان يقاتل بمن أسلم من قومه ثقيفا، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى ضيّق عليهم.
[الشيماء بنت الحارث]
وكان في السبايا الشيماء بنت الحارث بن عبد العزّى أخت رسول الله من الرضاع، وكان بعض المسلمين قد عنف عليها، فقالت: والله إني لأخت صاحبكم من الرضاعة، فلم يصدّقوها حتى أتوا بها رسول الله، فتعرّف عليها، وبسط لها رداءه، وأجلسها عليه، وقال لها:«إن أحببت فعندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت؟» فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها وأعطاها وردها إلى قومها ويقال: إنه أعطاها غلاما يقال له مكحول وجارية فزوجتهما، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية.