فنمضي له، فقال عبد الله بن رواحة: يا قوم والله إن التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين: إما ظهور وإما شهادة.
فتشجع الناس وقالوا: صدق ابن رواحة، وسار الجيش الإسلامي تحدوه الرغبة في إعزاز دين الله وحب الشهادة، حتى التقوا بجموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء (مشارف) فانحاز المسلمون إلى مؤتة وتحصنوا بها.
[التقاء الجيشين]
والتقى الجمعان غير المتكافئين عددا وعدة، وقاتل المسلمون قتال الأبطال، وصمدوا أمام هذا الجيش العرمرم، وقاتل زيد بن حارثة حامل اللواء حتى استشهد، فولي القيادة جعفر بن أبي طالب وحمل اللواء؛ وكان على فرس له شقراء، فنزل عنها وعقرها، وتقدم يقاتل وهو يحمل اللواء ويقول:
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وباردا شرابها
والروم روم قد دنا عذابها ... كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إن لاقيتها ضرابها
وكان جعفر يحمل اللواء بيمينه فقطعت، فأخذه بشماله فقطعت، فاحتضنه بعضديه حتى ضربه رجل من الروم ضربة فقطعته نصفين، فاستشهد وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة بعد أن خط في كتاب البطولة الإسلامية سطورا مشرقة، وكان جزاؤه من ربه أن أبدله الله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء، ولما التمس في القتلى وجد به بضع وتسعون جرحا. وكان ابن عمر إذا حيّ ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.
فأخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم تقدم بها في جموع الروم وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد وهو يقول: