للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اخر حتى يكاد يخفي معالمه، وإنما هي صفات وزنت بميزان عادل لا يعول، وأخلاق حسبت بحسبان دقيق لا يضل، هداية في حكمة، وعلم في فقه، ورحمة في غير ضعف، وعدل في غير عنف، وحزم في حلم، وصرامة في رحمة، وغضب لله في غير جور ولا بطش، وكرم في غير إسراف، ودقة في غير فسولة؛ ورأفة في غير تفريط، وعقل كبير في سعة قلب، وجد في غير هزل، ومزح في غير باطل، وفصاحة في بلاغة، وكلم جوامع في حكم نوابغ، ورجولة في مروءة، وفحولة في عفة.

وهكذا لا يمكن لمنصف أن يجد في أخلاقه مغمزا، أو في سلوكه مطعنا، وهذا المعنى لا نجده في بشر أيا كان، وهذا هو سر الإعجاز في أخلاق هذا النبي العظيم، وهذا البشر العظيم!!

[الفضيلة الإنسانية في ذروة كمالها في نبينا محمد]

يقول الحكماء: إن الفضيلة وسط بين رذيلتين: فالشجاعة وسط بين الجبن وبين التهور. والقصد في الإنفاق وسط بين التقتير والإسراف. والعدل وسط بين البغي والظلم، وبين هضم الحق والتفريط فيه. والعفة وسط بين انتهاك حرمات الغير وبين حرمان النفس من متعتها المشروعة. والحكمة وسط بين الإسراف في استعمال العقل وتعدي أموره وبين البلادة والغافلة، وهكذا.

والفضيلة من الأمور التي تواطأت عليها العقول السليمة، ولا تختلف باختلاف الأشخاص والعصور. فالفضيلة لا يمكن أن تكون رذيلة، ولا تكون فضيلة عند إنسان ورذيلة عند اخر، وهذا أمر لا أعلم أحدا خالف فيه، إلا ما كان من السوفسطائيين «١» ومن على شاكلتهم كالوجوديين اليوم، فإنهم يخضعون الحق والفضيلة لأهوائهم، وشهوات أنفسهم.


(١) السوفسطائيون: قوم وجدوا في بلاد اليونان قديما، لا يؤمنون بأن حقائق الأشياء ثابتة، فالحق في نظرهم ما يراه الواحد حقا، ولو كان في الواقع باطلا، والباطل ما يراه باطلا ولو كان في الواقع حقا. وقريب من هؤلاء الوجوديون اليوم فليس للفضيلة والحق معيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>