والناس يتفاضلون ويتمايزون بقدر ما يكون عندهم من الفضائل والأخلاق الكريمة، والفضيلة لا تختص بأناس دون أناس، ولا بجنس دون جنس، وإنما هي أمر مشاع بين البشر، يأخذ كل واحد منها بحسب فطرته واستعداده، وتربيته ونشأته، إلا أن هذه الفضيلة الإنسانية توجد أوفى ما تكون وأكمل ما تكون في أنبياء الله ورسله، فقد فطرهم الله سبحانه على أكمل الصفات، وخير الخلال، إلا أن بعض هذه الفضائل قد تكون عند نبي أوفى منها عند اخر، ومن ثم صارت هذه الصفات البالغة الكمال، عند بعض الأنبياء بمنزلة الخصائص، فالحلم والتسامح عند الخليل إبراهيم وعيسى أكثر منهما عند نوح وموسى، والشدة والأخذ بالعقوبة، عند نوح وموسى، أعظم منهما عند إبراهيم وعيسى عليهم جميعا الصلاة والسلام.
وكذلك فضلاء البشر كصحابة الأنبياء وحواريّيهم، ولا سيما صحابة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، تقوى بعض الفضائل عند بعضهم حتى تصير كأنها خصوصية، فمنهم الذي يغلب عليه الحلم والرحمة والشفقة كالصدّيق رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه الشدة والصرامة في الحق، حتى مع أحب الناس إليه، كالفاروق عمر رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه الحياء كالسيّد الحييّ عثمان بن عفان رضي الله عنه فيفرط في حق نفسه، ومنهم من تغلب عليه الشجاعة والمصارحة بالحق وعدم المداهنة، حتى ولو كان في ذلك تثبيت أمر الخلافة كسيدنا علي رضي الله عنه، ومنهم من يغلب عليه جانب الدهاء والسياسة، ومعرفة كيف تسترق النفوس كسيدنا معاوية رضي الله عنه.
وليس معنى هذا أن ما عدا هذه الصفات التي برزوا فيها ليس لهم فيما عداها حظ، كلا وحاشا، وليس أدل على هذا من الصدّيق الأكبر رضي الله عنه، فقد كانت سمته الغالبة في قصة أسارى بدر وغيرها الرحمة والشفقة، ومع هذا فلما جاور الرسول الرفيق الأعلى، وارتد بعض العرب كان أشجع من الشجاعة، وأشد من الشدة في محاربتهم، وحتى قال للفاروق وقد ناقشه في قتال مانعي الزكاة: أجبّار في الجاهلية خوّار في الإسلام؟!!
والفاروق عمر- وهو الشديد القوي في الحق- ما انتقم لنفسه، وكانت