للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقابله المرأة فتعظه، وتذكره، وتنصحه بتقوى الله في الخلق، فإذا به يتطامن لها ويبكي حتى تخضل لحيته!! وذلك كقصته مع السيدة خولة بنت ثعلبة بن حكيم، والمرأة الأعرابية التي كانت تعلل أولادها، وهم يتضاغون من الجوع حتى ناموا ...

والناس طبائع، ومعادن، وفطرتهم ليست واحدة، ومرد ذلك كله إلى الله جل جلاله- فسبحانه، سبحانه، تقدست أسماؤه، وتباركت صفاته ووسع علمه كل شيء، وجلّت حكمته، وعجزت العقول، مهما بلغت عن إدراك كنهه وأسراره، فله المثل الأعلى، وله الحكمة البالغة.

وقد أوحى إلى نفسي بما كتبت هذه المقارنة البديعة الصادقة التي صدع بها المثل الكامل صلى الله عليه وسلم عقب استشارة أصحابه في أسارى غزوة بدر، فأدلى الصديق برأيه وهو أخذ الفداء وتركهم عسى أن يهداهم أو يخرج الله من أصلابهم من يرضي الله وينصر دينه، وكان رأي الفاروق أن يقتلوا ولا يؤخذ منهم فداء، فقال النبي: «إن الله ليلينّ قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة. وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم قال:

فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «١» .

وكمثل عيسى قال:

إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «٢» .

وإن مثلك يا عمر كمثل نوح قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً «٣» . وكمثل موسى قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ «٤» . أنتم اليوم عالة، فلا يفلتنّ


(١) سورة إبراهيم: الاية ٣٦.
(٢) سورة المائدة: الاية ١١٨.
(٣) سورة نوح: الاية ٢٦.
(٤) سورة يونس: الاية ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>