أحد إلا بفداء أو ضربة عنق» وكان هذا اختيارا لما رأى الصديق رضي الله عنه.
وقد بلغت الفضيلة الإنسانية ذروة كمالها في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويدعوني المقام أن أقارن بين قولتي سيدنا نوح وسيدنا موسى الانفتين، وبين موقف حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من ثقيف بعد أن عرض عليهم الدعوة الإسلامية فأبوا، فرجاهم أن يكتموا أمره ولا يبلّغوا قريشا، ولكن القوم كانوا لئاما، فما إن همّ بمغادرتهم حتى أغروا به الصبيان والسفهاء يقذفونه بالحجارة، وصاحبه ومولاه زيد بن حارثة يدرأ عنه ويدفع، ولكن ماذا يغني زيد في هذا السيل المنهمر من الحجارة، فأصيب جسمه صلى الله عليه وسلم ودميت عقباه، وسال الدم الزكي على أرض الطائف ليكون شاهدا على لون من ألوان الكفاح في سبيل العقيدة، حتى ألجؤوه إلى بستان لابني ربيعة وبعد أن استراح قليلا، دعا الله بدعائه المشهور الذي ختمه بقوله:«إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي» . نعم، فالجراح والالام والمصاعب، كلها تهون ما دام في ذلك رضى الله، والنجاة من غضبه.
عاد وهو جريح الجسم، مكلوم الفؤاد، حزين النفس، فتبدى له عند «قرن الثعالب» ملك الجبال، وقال له:«إني رسول من الله إليك، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين «١» فعلت؟!» ولقد كانت فرصة مواتية للنيل من هؤلاء الذين اذوه، وأسالوا دمه، وليذهبوا مع الهالكين الغابرين، وإن ذهبوا ففي الباقين من ينصر الدعوة ويقيم الإسلام.
ولكن لو جاز هذا في حق بشر اخر مهما بلغ من الكمال العقلي والخلقي؛ فلن يجوز في عقل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا في أخلاق نبينا محمد، ولا في منطقه صلى الله عليه وسلم!! وهو الذي بلغت فيه الفضيلة ذروة كمالها.
وانتظر الملك الجواب، ولم يفكر النبي طويلا، لأن الأمر بالنسبة له لا يحتاج إلى تفكير، لأنه يتفق هو وفطرته التي فطره الله عليها، وأخلاقه التي