للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جبل عليها، وجعلته سيد ولد ادم على الإطلاق، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله واحده ولا يشرك به شيئا» !!

ودهش ملك الجبال لما سمع وقال: أنت- كما سمّاك ربك- رؤوف رحيم!! نعم- والله- لقد صدق من سماه الرؤوف الرحيم، ومن خاطبه هذا الخطاب الشريف الفذ: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ!!

وهذا هو سيدنا موسى عليه السلام يدخل مدينة من المدن المصرية، فوجد فيها رجلين يقتتلان ويتضاربان، أحدهما إسرائيلي من شيعته، والاخر قبطي من عدوه، فاستنصر به الإسرائيلي على القبطي، فضربه بجمع يده، فقضى عليه فمات، وما كان موسى عليه السلام يقصد قتله، وإنما قصد دفعه، وكثيرا ما يقصد الإنسان قصدا ويحصل خلافه، فلذلك ندم من فعلته وتاب إلى الله توبة نصوحا، وعزم على عدم العودة لمثل ذلك، وعاهد الله على ألايكون معينا لمجرم قط «١» .

ورأس الإجرام هو الكفر، ويليه المعاصي، وهذا الوكز وإن أفضى إلى الموت ليس بذنب، وإنما هو خلاف الأولى، وكان عليه أن يتثبت قبل الوكز أو يفصلهما عن بعضهما من غير وكز، وإنما عدّه موسى ذنبا واستغفر الله منه لمقام موسى وعلو منزلته على أن يحصل منه ذلك، وقد قيل: إن ذلك كان قبل نبوته فهو من الصغائر التي يجوز مثلها على الأنبياء، وهو الظاهر من قول موسى كما حكاه الله سبحانه في قوله:

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ «٢» .

ومهما يكن من شيء فهذا وأمثاله مما جاء به القران وجاءت به الأحاديث الصحيحة يدل على أن الأنبياء بشر، وأن الكمال المطلق إنما هو لله واحده، وعلى أنهم لشدة معرفتهم بالله وقربهم منه يستعظمون في حق أنفسهم ما ليس عظيما،


(١) اقرأ الايات من سورة القصص: الايات ١٥- ١٧.
(٢) سورة الشعراء: الاية ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>