للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعتبرونه ذنبا يستغفرون الله تعالى منه، وإن لم يكن ذنبا في الحقيقة ونفس الأمر.

وأما نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله فقد استأذنه سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه- أن ينزع ثنيتي سهيل بن عمرو- أحد أسرى بدر- حتى يدلع لسانه فلا يقوم خطيبا بعد ذلك ضد النبي ودعوته، فماذا كان جواب الرؤوف الرحيم؟: «لا أمثل فيمثل الله بي ولو كنت نبيا» !! يالسمو الرحمة، ويا لعظمة البشرية!! ثم يغري النبي سيدنا عمر بالعفو عنه، وعدم النيل منه فيقول: «وعسى أن يقوم مقاما لا تذمه» وقد كان، وصدقت نبوءة الرسول الكريم فقد وقف بعد الردّة موقفا كريما حمده الناس له، وحفظه له التاريخ «١» .

ومثل اخر أسوقه لبيان كمال الفضيلة الإنسانية في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لقد كان عمر رضي الله عنه مشهورا بالزهد وبلغ فيه مبلغا، صار مضرب الأمثال.

عمر هذا الزاهد، الذي كان يداوم لبس المرقّع، وكان ينام على الحصى والتراب، والذي كان يضرب اللبن «٢» بنفسه، ويهنأ إبل الصدقة بالقار بيديه «٣» والذي كان يعيش الكفاف، ويأتدم الزيت بالعيش الجاف، عمر الذي حرم على نفسه أكل السمن عام الرمادة حتى يخصب الناس، وحتى صارت تكركر بطنه وتغير لونه، وهو لا يهتم بذلك.

عمر الزاهد هذا دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اعتزل نساءه بسبب تظاهر بعضهن عليه، وكان في مشربة له «٤» يرقى إليها بدرج، وعلى الباب غلام اسمه رباح، فقال: يا رباح استأذن لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأت رباح بجواب،


(١) انظر: ص ١٥٩ من هذا الكتاب.
(٢) اللبن: الطوب النّيء.
(٣) يهنأ: يغسل جسدها، ويطليه بالقار ليداويها.
(٤) المشربة: غرفة صغيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>