هي السيدة زينب بنت جحش الأسدية، أخت شهيد أحد المجدّع في الله عبد الله بن جحش، وأمها السيدة أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي من أوسط العرب دارا ونسبا، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها مولاه زيد بن حارثة، وقد تحقق بذلك غرضان شريفان: إبطال حرمة زوجة الابن المتبنّى، والقضاء على عنجهية الجاهلية بالاعتزاز بالأحساب والأنساب.
ذلك أن العرب كان من عادتهم التبنّي، وكانوا يلحقون الابن المتبنّى بالابن العصبي، وتجري عليه حقوقه في الميراث وحرمة زوجه على من تبنّاه، وكانت تلك العادة متأصلة فيهم. كما كان كبيرا عندهم أن تتزوج بنات الأشراف من موال وإن أعتقوا وصاروا أحرارا.
فلما جاء الإسلام كان من مقاصده أن يزيل الفوارق بين الناس التي تقوم على العصبية وحمية الجاهلية، فالناس كلهم لادم، وادم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، وأن يقضي على بدع الجاهلية، وقد شاء الله أن يكون أول عتيق يتزوج بعربية في الصميم من العرب هو زيد بن حارثة، وأن يكون أول سيد يبطل هذه العادة الجاهلية هو رسول الله، فما على بنات الأشراف أن يتزوجن بعد من الموالي وهذه زينب بنت جحش قد اقترنت بزيد، وما على سادات العرب أن يتزوجوا بأزواج أدعيائهم بعد فراقهم لهن، وإمام المسلمين ومن يصدع بأمر الله قد فتح هذا الباب الموصد، وتزوج حليلة متبنّاه بعد فراقها، وقد كان ما أراده الله في تشريعه الحكيم.