ها هي السنة السادسة كادت تنتهي، وقد أصبح المسلمون مرهوبي الجانب في الجزيرة، ولئن لم تكن فيها موقعة فاصلة فقد حفلت بسرايا كثيرة تمخضت عن قوة المسلمين، ورعب المشركين وهزيمتهم، وها هم المسلمون قد اشتاقوا إلى زيارة الكعبة البيت الحرام: بيت ابائهم وأجدادهم ومتعبدهم وقبلتهم، فقد مضى نحو ست سنين ولمّا يتشرفوا بزيارة هذا البيت، ويقضوا شيئا من حاجات النفس المشوقة إليه.
وأذكى هذا الشوق، وقوّى الأمل في نفوسهم رؤيا راها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأى أنهم يدخلون المسجد الحرام محلّقين رؤوسهم ومقصرين، ولكن كيف للمسلمين هذا، والمشركون حريصون على صدهم عن البيت، وأهون عليهم أن يموتوا جميعا من أن يدخلها عليهم المسلمون عنوة؟ لذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم بثاقب فكره أن يستنفر العرب ومن حوله من الأعراب، ليخرجوا معه معتمرين، كي تعلم قريش أنه لا يريد حربا، فاستجاب له بعض الأعراب، وأبطأ عنه الكثيرون.
[خروج النبي معتمرا]
وفي ذي القعدة من هذا العام خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في زهاء ألف
(١) الحديبية- بضم الحاء وفتح الدال وياء ساكنة وباء مواحدة مكسورة وياء منهم من خففها ومنهم من شددها- قرية بالقرب من مكة على مرحلة منها سميت ببئر هناك.