وقد ذكر ابن إسحاق في سيرته بسنده عن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- قال:«كنت ممن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلا فبايعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب: على ألانشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفّيتم فلكم الجنة وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله، إن شاء عذب وإن شاء غفر» .
وذكر عن ابن شهاب نحو ذلك ولكنه أوفى وأتم، ولفظه:«وإن غشيتم من ذلك شيئا فأخذتم بحدّه في الدنيا فهو كفارة له، وإن سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله- عز وجل- إن شاء عذّب، وإن شاء غفر» .
وقد تابع ابن إسحاق- رحمه الله- بعض كتاب السيرة من القدماء، وبعض المحدثين كالدكتور محمد حسين هيكل، وظاهر رواية الشيخين في صحيحيهما تفيد ذلك، فقد رويا بسندهما- واللفظ للبخاري- أن عبادة بن الصامت- رضي الله عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النقباء ليلة العقبة- قال: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وعليه عصابة «١» : «بايعوني على ألاتشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك» وليس في هذه الرواية الصحيحة تصريح بأن هذه المبايعة كانت ليلة العقبة، وليس من شك في أن اية بيعة النساء نزلت بعد الحديبية بلا خلاف، وأين العقبة الأولى من الحديبية؟ فمن ثم سلك العلماء المحققون في مقالة ابن إسحاق على بيعة النساء مسالك:
(١) العصابة: الجماعة من العشرة إلى الأربعين، ولا واحد لها من لفظها، وجمعت على عصائب وعصب.