وكان النساء يقمن بهذه الخدمات وهنّ على حالة من الوقار والاحتشام، وعدم التبرج والمخالطة المريبة، فالإسلام لا يمنع المرأة من المشاركة في الحرب بما يليق بحالها، بل ومن الأخذ بالسلاح إذا لزم الأمر، كما فعلت السيدة نسيبة وغيرها. روى مسلم في صحيحه بسنده عن أنس أن أم سليم اتخذت خنجرا يوم حنين، فسألها النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالت:«اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه» وهكذا فلتكن النساء.
وروى مسلم أيضا عن أنس قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء، ويداوين الجرحى» ، وروى أيضا عن أم عطية الأنصارية قالت:«غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى»«١» . فالإسلام يبيح للمرأة المشاركة في الجهاد، ولكن بشرط التدين والتصون والتعفف وعدم الابتذال والوقوع في الماثم، وإلا كان ضررها أكثر من نفعها، وإفسادها أكثر من إصلاحها.
[المقاتلون حمية]
على حين كانت الكثرة من المسلمين تقاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، كان في صفوفهم من يقاتل حمية عن قومهم ممن يظهرون الإسلام، ولا يرجون الله واليوم الاخر، ومن هؤلاء رجل يسمى:«قزمان» . قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتي- غريب- لا يدرى ممّن هو يقال له «قزمان» ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر له قال:«إنه من أهل النار» ، وقال: فلما كان يوم أحد قاتل قتالا شديدا، فقتل واحده ثمانية أو سبعة من المشركين، وكان ذا بأس، فأثبتته الجراح، فاحتمل إلى دار بني ظفر، فجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان، فأبشر، قال: بماذا أبشر؟ فو الله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي، ولولا هذا
(١) صحيح مسلم- كتاب الجهاد- باب غزو النساء مع الرجال.