وإنا لنا هنا لوقفة ترينا ما كان عليه العرب من الكياسة، وحسن التدبير، وإحكام الأمر، وما كانوا عليه من الذكاء والفطنة وبعد النظر، وإن كان بعضهم استغلوا هذه المواهب في محاربة الدعوة الإسلامية استجابة للأهواء، ولتحكم العصبية الجاهلية فيهم.
ولولا أن العرب كانوا على درجة من الذكاء والفطنة، والاستعداد لفهم ما يلقى إليهم، وإدراك مغزاه، لما كانوا أهلا لأن يخاطبهم الله سبحانه بهذا القران البالغ الغاية في الفصاحة والبلاغة، وروعة الأسلوب، وإحكام السبك، وجلال المعنى، وسمو الغاية، ودقة المغزى.
وقد كان لهذه الصفات والمواهب أثرها البعيد حين اعتنقوا الإسلام عن عقيدة ويقين في تدبير أمور الحرب، والمعاهدات، والصلح، والزكانة والكياسة الفائقتين في سياسة الشعوب، والأجناس المتباينة التي استظلت بلواء الإسلام، وكفى شاهدا لهذا ما قام به النبي والخلفاء الراشدون ومن سار على دربهم في الإمامة والسياسة، وما قام به السادة الأجلاء: خالد بن الوليد، وأبو عبيدة بن الجراح، والمثنى بن حارثة، وعكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان، والقعقاع بن عمرو، وأمثالهم في الحروب والفتوحات، والصلح والمعاهدات.
اللهمّ سبع كسبع يوسف
ثم إن قريشا لما استعصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأبطأوا عن الإسلام، وأوغلوا في عداوة النبي وإيذائه وإيذاء أصحابه، دعا عليهم فقال:«اللهمّ أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف» فأصابتهم سنة «١» حتى أكلوا الجيف والميتة، والعظام، وحتى كان الواحد منهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجوع، ثم جاء إليه أبو سفيان في ناس من قومه، فقالوا: يا محمد إنك تزعم أنك قد بعثت رحمة، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فدعا لهم الرؤوف