والظن بمثل خالد أنه إنما أراد نصرة الإسلام، وأنه اجتهد في أمر وتأوّل فأخطأ، ففهم من كلامهم صبأنا أنهم يتبرأون من الإسلام، لا أنهم يريدون الإسلام. ولعل هذا هو السبب في أن النبي صلى الله عليه وسلم عذره ولم يعزله، وإن كان تبرأ من فعله إلى الله، وما كان رسول الله يداهن، أو يخاف في الحق لومة لائم.
وبعض من يعذر خالدا وينتصر له يزعم أنّ خالدا قال: ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبد الله بن حذافة السّهمي، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم عن الإسلام، وليس من شك في أن لخالد من المواقف المشهودة، والتضحية بالنفس، ما يغفر له مثل هذه الهنات، والله يغفر لهم جميعا.
[تعويض النبي بني جذيمة عن الدماء والأموال]
ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال له:«يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم. واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك» .
فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله معه، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من مال حتى ميلغة الكلب «١» ، وبقيت معه بقية من المال فقال لهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يؤدّ لكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيتكم هذه البقية احتياطا لرسول الله مما لا يعلم ولا تعلمون، ثم رجع إلى رسول الله فأخبره بما صنع فقال له:«أصبت، أحسنت» .
وبهذا التصرف النبوي الحكيم واسى النبي بني جذيمة، وأزال ما في نفوسهم من أسى وحزن.
هدم العزّى
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ثلاثين فارسا لهدم العزّى، وهي هيكل بنخلة تعظمه قريش وكنانة ومضر؛ وكان ذلك لخمس بقين من رمضان، فذهب إليها وهدمها وهو يقول:
يا عزّ كفرانك لا سبحانك ... إني رأيت الله قد أهانك