وهو وإن لم يكن كتاب سيرة بالمعنى المعروف إلا أنه اشتمل على كثير مما يتعلق بسيرة النبي صلّى الله عليه وسلّم، مع رد بعض الأباطيل التي دست في السيرة النبوية، وألصقت بها زورا كهاتين القصتين، فالزمه- أيها القارىء- واشدد به يديك.
[عناية الأمة الإسلامية بسيرة نبيها]
أما بعد:
فمهما يكن من شيء فلم تعن أمة من الأمم في القديم والحديث باثار نبيها وحياته، وكل ما يتصل به من قرب أو بعد، مثل ما عنيت الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل، هذه العناية التي كان من اثارها هذه الثروة الطائلة من الكتاب المؤلفة في مولده، وسيرته، وحياته، وشمائله، وفضائله، وخصوصياته، ومعجزاته، وأخلاقه، وادابه، وأزواجه، وأولاده، وأجداده، وجداته، ونسبه من لدن جده الأعلى خليل الرحمن، وابنه الذبيح إسماعيل عليهما الصلاة والسلام، إلى خروجه من بين أبويه الشريفين الكريمين، وحيوات من بقي من ذريته من بعده، وخدمه، ومماليكه، وسراريه «١» ، ومرضعاته، وحاضناته.
بل بلغت العناية بالعلماء وكتاب السير أن بحثوا في نياقه، وبغاله، وحميره، وأسمائها، ومن أين جاءت، وكتبوا عن وصف نعاله، ومطهرته، وأسوكته، إلى غير ذلك مما يدل على غاية الحب، والعناية باثاره، ومخلفاته صلّى الله عليه وسلّم، وإن ما يتعلق بالسيرة النبوية وسير ال بيت النبي ليكوّن مكتبة حافلة قيمة تعدو الألوف عدّا.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنه رسول الله حقا، فما كان لمدّع أن يكون له هذا الحب كله، ولا هذه العناية كلها! ولا هذا التكريم والتعظيم.
وعلى أن رسالته هي خاتمة الرسالات، وأحقها بالخلود، وأبقاها على الزمان، وعلى أنه لا نبي بعده، بنفسي، وأبي، وأمي هو صلّى الله عليه وسلّم.
(١) جمع سرّية بضم السين وتشديد الراء المكسورة الأمة المملوكة.