وإن المنصف ليقف خاشعا أمام هذا القول الحكيم الذي يدل على أن سيدنا محمدا نبي حقا، فلو لم يكن نبيا، وكان طالب ملك أو زعامة، أو شرف وجاه، أو مدعيا نبوة لاستغلّ اعتقاد الناس هذا، أو على الأقل يسكت.
ولم يزل الدجالون وأدعياء النبوة والمشعوذون، من لدن مسيلمة إلى يومنا هذا يستغلون سذاجة الناس وجهلهم في مثل هذا، بل ويحاولون ما استطاعوا التمويه على الناس والتلبيس عليهم، ولكنه النبي الذي لا ينطق عن الهوى!! وأي عظمة نفسية أعظم من ألاينسى الرسول رسالته في أشد المواقف التي تملأ النفس غما وحزنا وربما تذهل الشخص عما هو حق، لذلك لا تعجب إذا كان المستشرقون الذين كتبوا في سيرة النبي، وتناولوا هذه القصة وقفوا منها موقف الإجلال والإعظام، ولم يستطيعوا كتم إعجابهم وإكبارهم للنبي، وإعلان عرفانهم بصدق إنسان لم يرض في أدق المواقف إلا الصدق وإعلان الحق.
[تنبؤ مسيلمة]
قدمنا ما كان من قدوم مسيلمة الكذاب مع وفد بني حنيفة، وأنه عرض على النبي أن يشركه في الأمر أو يجعله له من بعده، فأبى عليه، وفي اخر سنة عشر، أرسل إلى النبي هذا الكتاب:(من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله. سلام عليك. أما بعد: فإني قد أشركت في الأمر معك، فإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها، ولكن قريشا قوم يعتدون) .
وقدم بالكتاب رسولان، فقال لهما النبي:«وأنتما تقولان بمثل ما يقول؟» قالا: نعم، فقال:«أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» ثم كتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» .
وقد استغلّ مسيلمة تعصب بني حنيفة له، وصار يمخرق ويموه ويكذب،