قد علمت بعض ما نال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من قريش، وما كان ذلك ليفتّ في عضد رسول الله، فقد مضى لأمر الله مظهرا لدينه لا يرده عنه شيء، ورأوا عمه أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه، وانتصر له لمنزلة الرحم والقرابة.
[سعي رجال من قريش إلى أبي طالب في شأن الرسول]
فسعى رجال منهم إلى أبي طالب: عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، وأبو سفيان بن حرب بن أمية، وأبو البختري العاص بن هشام، والأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، وأبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي، ونبيه ومنبّه ابنا الحجاج من بني سهم، والعاص بن وائل السهمي، فقالوا:
يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب الهتنا وعاب ديننا، وسفّه أحلامنا، وضلّل اباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلّي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه. فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا، وردّهم ردا جميلا، فانصرفوا عنه.
ومضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على ما هو عليه يظهر دين الله، ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، ومضوا هم لسبيلهم يؤلبون عليه، ويؤذونه وأصحابه، ويحض بعضهم بعضا على عدم الاستماع إليه.
[سعيهم إليه مرة أخرى]
ثم سعوا إلى أبي طالب مرة أخرى فقالوا: يا أبا طالب إن لك سنا، وشرفا، ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك «١» من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله- لا نصبر على هذا من شتم ابائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب الهتنا، فإما أن تكفّه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين، ثم انصرفوا عنه. فعظم على أبي طالب فراق قومه، وعداوتهم له، ولم يطب نفسا بإسلام ابن أخيه لهم، ولا خذلانه.