وقد زوجها إياه ابنها سلمة، وأصدقها رسول الله فراشا حشوه ليف، وقدحا، وصحفة، ومجشة- أي رحى-. وقد تربى أولادها الصغار في بيت النبي، مما جعلهم لا يشعرون بمرارة اليتم وذل الحاجة.
[الحكمة في زواجها]
ومن ثمّ نرى أن زواج رسول الله بها لم يكن إلا جبرا لخاطرها وكسرها، وحفظا لها ولأولادها من الضّيعة، وقد سمعت انفا أنها ما كانت تعدل بأبي سلمة أحدا، ولولا أن رسول الله تقدم إليها لما رضيت بالزواج من أي رجل أيا كان في قومها، لأنها لا ترى خيرا من أبي سلمة إلا رسول الله الذي لم يكن يخطر لها على بال أثناء مقالتها، وأيضا فقد كان هذا الزواج وفاء بحق زوج من خيار المسلمين، وخاطر بنفسه في سبيل الله، وبهذا الزواج ضرب رسول الله أروع الأمثال في باب المواساة بالنفس والمال، ووضع الأساس الصالح لأولي الأمر في رعاية حقوق المواطن المؤمن الصالح، والجندي الباسل المضحي بنفسه في سبيل الله ورسوله.
فهذه الاعتبارات السامية هي التي حدت برسول الله أن يتزوج بها، لا كما يزعم بعض المتخرصين من أن ذلك كان لجمالها، وهي بشهادتها كانت مسنة، ومهما قيل في بقاء مسحة من جمال الشباب عليها فهناك- ولا ريب- من الشابات الأبكار الشريفات من يفقنها في هذا، وللشباب ماله من سحر وفتنة، وإنكار ذلك مكابرة، ولا أدري كيف يرغب رجل شهواني- كما زعموا- في امرأة مسنة مترهلة، وذات شغل شاغل بعيالها؟ ألا كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
وقد كانت عاقلة عالمة راوية، روت عن رسول الله بالذات وبالواسطة، وعن غيره من الصحابة، وعنها روى الكثيرون، وقد ساهمت في نشر العلم والحكمة عن رسول الله، وبسبب سؤالها للنبي نزلت بعض ايات القران وتشريعاته، وهي اخر أمهات المؤمنين وفاة كما قال الحافظان الذهبي وابن حجر، وكان وفاتها سنة اثنتين وستين بعد مقتل الحسين إبان حكم يزيد بن معاوية، وقيل غير