للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابن جرير الطبري عن أبي راشد أنه رأى المقداد بن الأسود فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمص يريد الغزو- وكان شيخا كبيرا همّا قد سقط حاجباه على عينيه- فقال له: لقد أعذر الله تعالى إليك، فقال: أبت علينا سورة البعوث، يريد هذه الاية من سورة التوبة.

وقال الإمام الزهري: خرج سعيد بن المسيّب إلى الغزو، وقد ذهبت إحدى عينيه، فقيل له: إنك عليل صاحب ضر، فقال: استنفر الله الخفيف والثقيل، فإن لم يمكنّي الحرب كثرت السواد، وحفظت المتاع «١» .

وبحسب هؤلاء السادة الأمجاد أنهم مجتهدون في فهم الاية «٢» ، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر، وبحسبهم فضلا ومثوبة هذه النية الصادقة، وبهؤلاء الأبطال المغاوير وأمثالهم- وما أكثرهم- مكّن الله للمسلمين في الأرض، وانتشر الإسلام حتى بلغ المشرق والمغرب.

[الترغيب في الجهاد والاستشهاد]

لمّا كان الجهاد هو الوسيلة لحماية العقيدة، وتأمين الدعوة، ونشر الشريعة شريعة التوحيد والحق والعدل والخير، رغّب الله ورسوله فيه أيما ترغيب.

ففي الكتاب الكريم يقول الله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ «٣» .


(١) تفسير ابن كثير والبغوي، ج ٤، ص ١٧٤، ج ١، ص ٤٢٨.
(٢) ويرى ابن عباس وغيره أن حكم هذه الاية كان في مبدأ الأمر ثم نسخت بقوله تعالى: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وقوله: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ....
(٣) سورة التوبة: الاية ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>