للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم سلمة تقول: والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب ال أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة «١» .

وإن لنا هنا لوقفة عند قصة عثمان هذا، فقد كان يومئذ كافرا، لأنه لم يسلم إلا أوائل عام الفتح، وهي تشهد لما ذكرته من نفاسة معدن العرب، وفضائلهم في الجاهلية، ولا سيما خلق المروءة والنجدة، وحماية الضعيف، فقد أبت عليه مروءته وخلقه العربي الأصيل أن يدع امرأة شريفة تسير واحدها في هذه الصحراء الموحشة، وإن كانت على غير دينه، وهو يعلم أنها بهجرتها تراغمه وأمثاله من كفار قريش!!

فأين من هذه الأخلاق- يا قومي المسلمين والعرب- أخلاق الحضارة في القرن العشرين، من سطو على الحريات، واغتصاب للأعراض، بل وعلى قارعة الطريق، وما تطالعنا به الصحافة كل يوم من أحداث يندى لها جبين الإنسانية، ومن تفنن في وسائل الاغتصاب، وانتهاك الأعراض، والسطو على الأموال.

إن هذه القصة- ولها مثل ونظائر- لتشهد لما قلته حينما تحدثت عن العرب من أن رصيدهم في الفضائل كان أكثر من مثالبهم ورذائلهم، فمن ثمّ اختار الله منهم خاتم أنبيائه ورسله، وكانوا أهلا لحمل الرسالة وتبليغها إلى الناس كافة.

[هجرة عامر بن ربيعة وزوجه]

ثم قدمها بعد أبي سلمة عامر بن ربيعة حليف بني عدي بن كعب، ومعه زوجه السيدة ليلى بنت أبي حثمة، قال الإمام ابن عبد البر: إنها أول ظعينة «٢» قدمت المدينة، وقال موسى بن عقبة: أول ظعينة السيدة أم سلمة، ولكل وجهة، فالسيدة أم سلمة أول من خرجت مهاجرة من النساء، ولولا منع أهلها


(١) أسلم عثمان بن طلحة بعد الحديبية، وهاجر إلى المدينة في صفر عام ثمان، وقد قتل أبوه، وإخوته: الحارث، وكلاب، ومسافع، وعمه عثمان بن أبي طلحة يوم أحد.
(٢) الظعينة: المرأة تركب البعير.

<<  <  ج: ص:  >  >>