وهو مما يوهن هذه الرواية ويضعفها، ويقلل الثقة بها، وليس لنا أن نأخذ ببعض ما تفيده وندع البعض.
وفي بعض الروايات أن المقداد، وسعد بن عبادة، ومحمد بن مسلمة ممن ثبتوا مع الرسول. والذي يظهر لي- والله أعلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يدعو أصحابه إليه، فصار كل من يسمع النداء يفيء إليه، حتى تجمع حوله عدد كثير، فمن ثمّ اختلفت الروايات في ذكر العدد والأشخاص بحسب الأحوال والأزمان.
[ثبات الرسول]
وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كالجبل الأشم، يدافع ويجالد جموع المشركين المحيطين به من كل ناحية، وهو يقول:«إليّ عباد الله، إليّ عباد الله» ، ففاء إليه الكثيرون ممن أذهلتهم شائعة أنه قتل، فقعدوا عن القتال، وممن تفرقوا يقاتلون بين الصفوف، حتى تكونت حوله ثلّة من أصحابه، فسار بهم حتى وصل إلى الصخرة التي فوق الجبل، وكان أول من عرف رسول الله بعد شائعة قتله كعب بن مالك، فإنه رأى عينيه تزهران من تحت المغفر، فنادى: يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله، فأشار إليه الرسول أن أنصت. وكانت تلك حكمة بالغة من الرسول، فإن شائعة قتله كان من شأنها أن يخفف المشركون الوطأة على المسلمين، فإذا ما علموا أنه لا يزال حيا عاودوا الكرة، وكرروا محاولة قتله.
ولكن لم يلبث الخبر أن ذاع وانتشر بين المسلمين، فقويت العزائم بعد خور، وتجمعت الصفوف بعد تفرق، ثم أراد رسول الله أن يعلو الصخرة التي في الشعب من الجبل فلم يستطع لكثرة ما نزف من دمه الزكي، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله حينئذ:
«أوجب طلحة» ، وبصر رسول الله بجماعة من المشركين فيهم خالد بن الوليد على ظهر الجبل، فقال:«لا ينبغي لهم أن يعلونا» ، ثم أرسل إليهم عمر بن الخطاب في رهط من المهاجرين، فقاتلوهم حتى أهبطوهم من الجبل، وهذا يدل