رجع النبي إلى المدينة وقد دفن بأحد سبعين شهيدا، وبأصحابه العائدين جراح؛ فأظهر المنافقون واليهود بالمدينة فرحهم، وفارت المدينة بالنفاق والتشفي، ولم يقف أمرهم عند حد السرور والانشراح النفسي، بل ظهرت سخائم نفوسهم في كلمات على ألسنتهم، فقالت اليهود: لو كان نبيا ما ظهروا عليه ولا أصيب منه؛ ولكنه طالب ملك تكون له الدولة وعليه! ونسوا ما حل بأنبياء بني إسرائيل من تقتيل وتشريد، بل نسوا فرار موسى وأتباعه من فرعون وقومه، ولولا أن أنجاهم الله لكانوا من المهلكين. وقال المنافقون لو كنتم أطعتمونا ولم تخرجوا لما أصابكم ما أصابكم.
وتجاوز أثر أحد المدينة إلى من حولها من الأعراب والقبائل الموالية لأهل الشرك، فكان لابدّ من استرجاع هيبة المسلمين؛ وإيذان الناس جميعا أن المسلمين على الرغم مما نالهم لا يزالون أقوياء وقادرين على منازلة الأعداء، فكان الخروج إلى غزوة حمراء الأسد.