للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النبي العفو الحليم]

وأما الحلم والاحتمال، والصبر على ما يكره، والعفو والصفح والإغضاء، فكل ذلك مما أدّب الله نبيه صلى الله عليه وسلم به، قال له: خُذِ الْعَفْوَ، وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وقد فسرها جبريل عن رب العالمين فقال: «إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك» . وقال سبحانه:

وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ «١» .

وقال عز شأنه:

وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ «٢» .

فلا عجب أن كان كالبحر العذب الذي لا يعكره ما يلقى فيه من أحجار، ولا تنزفه الدلاء، وما من حليم صبور إلا وقد عرفت عنه زلة، وحفظت عنه هفوة ما عداه صلى الله عليه وسلم، لا يزيده كثرة الأذى إلا صبرا، ولا إسراف الجاهل إلا حلما، «وما انتقم لنفسه قط، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله عز وجل، فينتقم لله» «٣» .

وقد قدمنا في فصل رحمته طرفا من عفوه، كما قدمنا في السيرة عفوه عن غورث بن الحارث حتى كان سببا في إسلامه، وعفوه عن أهل مكة الذي صار


(١) سورة الشورى: اية ٤٠.
(٢) سورة الشورى: اية ٤٣.
(٣) رواه مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>