فما دنس ذلك من شرفها، ولا أنزل من كرامتها عند ربها، بل زادها رفعة وشرفا، ولا تزال هذه القصة تتكرر على مسرح الحياة، فليكن للمحصنات المؤمنات الغافلات اللاتي لا يسلمن من قالة السوء فيها عزاء وسلوى.
٣- أدب الصحابة رضوان الله عليهم في معاملة النساء المسلمات ولا سيما نساء النبي، والمبالغة في توقي مواطن الريبة والتهمة، فقد ثبت أن صفوان رضي الله عنه اكتفى بالاسترجاع حتى استيقظت السيدة عائشة، وفي استرجاعه ما يدل على استفظاعه وأسفه أن تترك زوجة النبي في العراء، ولم يكلمها قط غير أنه سألها عن شأنها وعرض عليها الركوب، وحين الركوب أولاها ظهره ولما ركبت قاد بها ولم يسر خلفها.
وقديما فعل نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام ذلك مع ابنة شعيب عليه الصلاة والسلام، فقد قال لها: سيري خلفي ودليني على الطريق، خشية أن تضرب الريح بثوبها فتكشف أو تصف بعض جسمها. وهذا غاية الأدب والعفة، ولذلك قالت ابنة شعيب- وقد سمعت ورأت- كما قال الله سبحانه:
٤- حسن معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه، ورحمته بهم، وضبط النفس حتى في المواقف التي يستبد بالنفس البشرية فيها الغضب، فتخرج عن حد الاعتدال فعلى الرغم مما قيل في عائشة مما يجرح القلب، ويؤذي النفس كان يدخل عليها وهي مريضة فيسأل عنها وإن لم تجد منه صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تجده منه حينما كانت تشتكي، وغاية ما يطمع فيه من بشر كريم في مثل هذا الموقف المؤلم المحيّر أن يكظم غيظه، ويكف غضبه، أما الملاطفة فأمر خارج عن طوق البشر، ولن تكون إلا ممن فقد غيرته، وذهبت من نفسه معالم الرجولة والنخوة.
(١) سورة القصص: الاية ٢٦. أما أمانته فقد حدثناك عنها. وأما قوته فقد قيل: لأنها شاهدته وهو ينحى عن البئر، وما كان يطيق ذلك إلا الجماعة من الرجال، وقيل: لأنها رأته وقد دفع الرعاء عن البئر على كثرتهم، ولم يخشهم، وسقى لهما.