بالكثير، فاقتتلوا ساعة وتراموا بالنبل، وحمل عليهم المسلمون فهزموا وتفرقوا، وأوغلوا هربا في البلاد، ثم عاد المسلمون منتصرين بعد أن أروهم سلطان الإسلام وسطوته.
وفي الطريق أصيب عمرو بن العاص بجنابة من أثر احتلام، فتيمم وصلّى بأصحابه، فلما قدموا على رسول الله سألهم عن أحوالهم في غزوتهم كما هي عادته، فأخبروه بما كان من أمر عمرو واحتلامه وتيممه وصلاته من غير اغتسال، فقال رسول الله:«يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب» ، فقال:
يا رسول الله احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، وإني سمعت الله يقول: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً، فضحك النبي ولم يقل شيئا، وكان سكوت النبي تقريرا له على هذا، وتقريره أحد وجوه السنن المعروفة.
وقد نجح عمرو في إرجاع هيبة الإسلام لأطراف الشام، وإرجاع أحلاف المسلمين لصداقتهم الأولى، ودخول قبائل أخرى في حلف مع المسلمين، وإسلام الكثيرين من بني عبس، وبني مرة، وبني ذبيان، وكذلك دخلت فزارة وسيدها عيينة بن حصن في حلف مع المسلمين، وتبعها بنو سليم، وعلى رأسهم العباس بن مرداس، وبنو أشجع، ومعظم من لم يكن قد حالف المسلمين من القبائل المجاورة للمدينة، وأصبح المسلمون أقوى عنصر سياسي في شمال بلاد العرب، وإن لم يكن في بلاد العرب جميعها «١» .
(١) محاضرات في السيرة وتاريخ الخلفاء للدكتور محمد مصطفى زيادة.