بينهما، وليس هنا مجال تفصيل القول في هذا، والذي اختاره الإمام السبكي في «الحلبيات» ، تفضيل خديجة ثم عائشة، ثم حفصة، ثم الباقيات سواء، والذي أميل إليه ما ذهب إليه السبكي من تفضيل خديجة- رضي الله عنها- لأنها أول من امن بالنبي على الإطلاق، وواسته بنفسها ومالها، ووفرت له كل وسائل الراحة التي أعانته على تأدية رسالة ربه.
وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما بسندهما عن علي قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد» أي كل منهما خير نساء زمانها، ورويا أيضا بسندهما عن أبي هريرة قال:«أتى جبريل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام، أو طعام، أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها، ومني وبشّرها ببيت في الجنة من قصب «١» ، لا صخب فيه ولا نصب» فقد أقرأها ربها السلام، ولم يثبت ذلك لأحد من نساء النبي، وكل ما ثبت للسيدة عائشة إقراء جبريل عليه السلام لها، وقد وفرت السيدة الفاضلة خديجة للنبي صلّى الله عليه وسلّم كل وسائل الراحة في دنياها، فكان جزاء وفاقا أن يوفر الله سبحانه لها كل وسائل الراحة والنعيم في أخراها.
وقد زاد الطبراني في رواية الصحيحين السابقة أنها قالت لما بلغها النبي عن جبريل سلام ربها:«هو السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام» ، وفي رواية النسائي بزيادة:«وعليك يا رسول الله السلام، ورحمة الله وبركاته» وهذا الجواب يدل على فقهها، ووفور عقلها، وحسن أدبها، رضي الله عنها.
وأصرح من ذلك في الدلالة على تفضيلها على عائشة ما رواه ابن مردويه في تفسيره بسند صحيح أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ثلاث: مريم بنت عمران، واسية امرأة فرعون،
(١) القصب: اللؤلؤ المجوف، وفي اختيار هذا اللفظ إيماء إلى أنها حازت قصب السبق بإيمانها وفضائلها.