للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للناس» قالت عائشة: فأجلسناه في مخضب «١» لحفصة، ثم طفقنا نصب عليه الماء حتى طفق يشير إلينا بيده «أن فعلتن» .

فوجد من نفسه خفة، فخرج على الناس، وهم يصلون الظهر وهو يهادى بين رجلين، فلما راه أبو بكر أراد أن يتأخر، فأومأ إليه أن مكانك، ثم جلس إلى جنب الصدّيق، فجعل أبو بكر يصلّي بالناس قائما، والرسول يصلّي وهو قاعد، فمن قائل أن رسول الله صلّى مأموما وراء أبي بكر، ومن قائل: إن رسول الله تولّى الإمامة، وصلّى أبو بكر بصلاة النبي، وصلى الناس بصلاة أبي بكر، ولعل الأول أرجح لأنه أدلّ على منزلة الصديق وأحقيته للخلافة «٢» .

وكانت هذه اخر صلاة صلاها رسول الله مع المسلمين، ثم صعد المنبر، فكان أول ما ذكر- بعد حمد الله والثناء عليه- أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا ثم قال: «يا معشر المهاجرين، إنكم أصبحتم تزيدون، والأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي «٣» التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم» ثم قال: «أيها الناس: إن عبدا خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله» ففهمها أبو بكر من دون الناس فبكى، وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا، فعجب الناس لبكائه، فكان المخيّر هو رسول الله، وكان أبو بكر أعلمهم بذلك فقال له رسول الله: «على رسلك يا أبا بكر» «٤» ثم قال: «إن أمنّ الناس عليّ في صحبته وماله أبو بكر. ولو كنت متخذا من أمتي خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن خلة الإسلام ومودته «٥» . لا يبقى في المسجد باب إلا سدّ إلا باب أبي بكر» .

ثم قال: «وإن قوما ممن قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد،


(١) مخضب: طست.
(٢) البداية والنهاية، ج ٥ ص ٢٣٤.
(٣) عيبتي: خاصتي وموضع سري.
(٤) تمهل في البكاء حتى لا يسترسل الناس في البكاء.
(٥) صداقة الإسلام ومحبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>